«توقّف التمويل» القطبة المخفية في الكارثة الاقتصادية

اذو الفقار قبيسي – اللواء

الأحاديث والاحصاءات تتكرر في لبنان عن معدلات الفقر والفقر المدقع والجوع وانهيار القوة الشرائية وعن البطالة وإقفال المؤسسات الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية وعن الاحتكار والتخزين وتهريب المال والسلع عبر الحدود وعجز القطاعين العام والخاص عن ترميم أو تنشيط القطاعات بما يحرّك من جديد عجلة الاقتصاد.

والغريب انه بين مختلف التحاليل عن أسباب هذا الوضع يغيب السبب الرئيسي والأهم: غياب «عنصر التمويل» الذي لم يعد له حتى بقايا لأي أثر. وبما يذكر بجواب الضابط الذي عندما سأله قائد فرقته عن سبب خسارة المعركة أجاب أن هناك ٢٠ سببا. ولما بدأ الضابط في عدّها قائلا: السبب الأول هو «خلص البارود» طلب إليه قائد الفرقة التوقف عن سرد باقي الأسباب. فالضابط الذي «تخلص ذخيرته» يخسر معركته قبل أن تبدأ، والسيارة الفارغة من البنزين لن تتحرك من مكانها الى أبد الآبدين! وفي لبنان فإن المشكلة كانت وما تزال هي:

أولا: اننا حصرنا عنصر التمويل في مصدر واحد هو المصارف وعندما توقفت المصارف عن الاقراض والتسليف توقف التمويل كليا، وبدون توافر هذا العنصر الأساسي في حركة الاقتصاد لن يكون هناك اقتصاد.

وثانيا: في الدول المتقدمة أو الطبيعية هناك دولة قوية وقادرة وراء المصارف تمدّ إليها يد الانقاذ كلما تعثّرت ولغاية أن تقوم من عثرتها وتستعيد حيويتها ودورها في تنشيط الاقتصاد. أما في لبنان فقد أقمنا نظاما مصرفيا من أولى مهماته وواجباته إنقاذ دولة هي نفسها عاجزة عن إنقاذ ذاتها، فكيف عساها تنقذ سواها؟!

وثالثا: في الدول المتقدمة والطبيعية هناك الى جانب المصارف والدولة المنقذة، عشرات المصادر الإضافية للتمويل وضمان استمرار شحن القوة والمناعة في جسم الاقتصاد. وعلى سبيل المثال بدون الحصر، في الولايات المتحدة هناك البورصات الـ (وول ستريت) وأسواق المال التي تزوّد الاقتصاد بـ«ترليونات» الدولارات في أسهم مئات آلاف الشركات والمشاريع العملاقة والكبرى والصغرى في حين بورصة لبنان في شركات لا يصل عددها عدد أصابع اليد، تدور على نفسها في مداولات محدودة تحمي بها نفسها. وهيئة الأسواق المالية التي أنشئت بغرض اجتذاب شركات مساهمة جديدة تؤدي الى مصادر تمويل جديدة، لم يجر تفعيلها حتى الآن.

وإلى جانب المصارف التجارية والبورصات وأسواق المال في الولايات المتحدة، وفي العديد من البلدان، هناك مصادر أخرى للتمويل منها مئات المصارف المتخصصة، ومصارف الادخار Mutual Saving Banks التي يقتصر عملها على قبول الودائع الآجلة دون الودائع «تحت الطلب». ومئات آلاف الجمعيات والتعاونيات ومكاتب البريد التي تتلقى الادخارات وتعطي القروض والتسليفات في مختلف المناطق والولايات.

ومقابل هذه الشبكة الواسعة لمصادر التمويل التي تزوّد مختلف قطاعات الانتاج في هذه الدول بالقوة والمناعة، ليس عندنا في لبنان سوى مصارف لا يردّها ودائع ولا ادخارات ولا تردّ أمانات ولا تقدّم قروضا ولا تسليفات، ومصرفا مركزيا أسير التدقيقات والتحقيقات والاتهامات، ودولة عاجزة عن كل شيء إلا في مهمة السلب والنهب بالاستيلاء على الواردات والمساعدات والهبات والصدقات.

Leave A Reply